نشأت المقاومة الإسلامية في لبنان كتنظيم عسكري سري لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي اجتاح جنوب لبنان ووصل إلى قلب العاصمة بيروت في عام 1982م. ولم تعلن هذه المقاومة عن عملياتها المستقلة إلا في مطلع عام 1984م.
أما قبل ذلك التاريخ فقد كان نشاطها جزءاً مما كان يطلق عليه "جبهة المقاومة اللبنانية" التي اختفت تقريبا بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من معظم المناطق التي احتلها في عام 1986م لتصبح المقاومة الإسلامية، منذ ذلك الوقت، وإلى يومنا هذا، الأكثر فاعلية وإيذاءً للمحتل، المقاومة الوحيدة تقريبًا التي تخوض مواجهة يومية، عبر عمليات متنوعة، ضد جنود الاحتلال وعملائه في جنوب لبنان وفي بقاعه الغربي.
1 - الاستقلال والسرية:
خلافًا لتقليد "المقاومات" السابقة، لم تشارك المقاومة الإسلامية منذ نشأتها إلى اليوم، مع أي طرف آخر في عمليات ضد الاحتلال.
ولا يعود ذلك إلى الرغبة في الانسجام العقائدي بين أفرادها، بل ترد المقاومة ذلك إلى خشيتها من اختراق العدو صفوفها عندما تتنوع الانتماءات والاتجاهات السياسية والعقائدية بحيث يصعب مراقبتها أو السيطرة عليها، كما كان يحصل مع التجارب السابقة للمقاومة (وخصوصًا الفلسطينية)، والتي تعرضت لكثير من الضربات والاغتيالات بسبب هذه الاختراقات الأمنية في صفوفها.
2 - توسيع قاعدة المقاومة:
وقد تعرضت المقاومة الإسلامية - بسبب هذه الرغبة في القيام بعملياتها دون أي تنسيق أو مشاركة مع الفصائل العسكرية الأخرى - إلى الاتهام حينًا بأنها "تحتكر المقاومة" لأغراض سياسية، وإلى إهمالها حينًا آخر جوانب الصمود والتنمية الاجتماعية التي تكمل الجانب العسكري في المقاومة.
وقد استطاعت المقاومة الإسلامية أن تتجاوز هذه الاتهامات، وأن تفتح باب المشاركة للقوى الأخرى غير الإسلامية التي ترغب في مقاتلة الاحتلال دون أن تتخلى عن أطرها الخاصة التنظيمية والأمنية والعسكرية.
فأعلنت، وبلسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 1997م عن تشكيل "السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي" كإطار جامع لكل راغب في المشاركة بأعمال المقاومة المسلحة ضد قوات الاحتلال في جنوب لبنان، وأكد السيد نصر الله: "أن هذا التشكيل سوف يبقى منفصلاً عن جهاز المقاومة الإسلامية التي ستكون جاهزة لتقديم كل دعم تحتاجه السرايا اللبنانية من أجل القيام بأعمال عسكرية وأمنية في المناطق اللبنانية المحتلة".
لم يكن هذا الإعلان عن تشكيل "سرايا لبنانية لمقاومة الاحتلال" من دون تحديد أي بعد عقائدي (إسلامي) لها مجرد رغبة في رد تهمة احتكار المقاومة، ولم يكن هذا الإعلان كذلك مجرد رغبة في المحافظة على الإطار التنظيمي الأمني والعسكري لخلايا المقاومة الإسلامية، بل كان إدراك المقاومة لأهمية توسيع دائرة المشاركة في قتال العدو في المجتمع اللبناني المتنوع طائفيًّا ومذهبيًّا وسياسيًّا هو الدافع الأهم لتشكيل مثل هذه السرايا التي نفذت بعد ذلك عمليات عدة ضد الاحتلال، ذلك أن الخصوصية الإسلامية للمقاومة شكلت عائقًا أمام تحقيق رغبة بعض اللبنانيين من طوائف غير إسلامية ومن اتجاهات سياسية مختلفة في الانضواء تحت لواء المقاومة الإسلامية لمقاتلة الاحتلال. وحتى لا يبقى هذا القتال حكرًا على جماعة دون أخرى من اللبنانيين كانت هذه المبادرة التي تمحورت بالنسبة إلى قيادة المقاومة الإسلامية حول جملة أهداف وأولويات، أهمها:
* تكريس قضية الصراع مع العدو وتحرير الأرض.
* محاربة التطبيع.
* إجهاض محاولات العدو لتكريس احتلاله وكيانه الغاصب كواقع شرعي وقانوني في قلب المنطقة.
* خلق نقطة إجماع كبرى وطنيًّا وقوميًّا وإسلاميًّا تشمل مختلف أنواع القوى والقيادات والشرائح الاجتماعية والمذاهب الدينية والمعتقدات السياسية والثقافية والفكرية.
3 - استخدام أساليب قتالية متطورة:
استخدمت المقاومة الإسلامية الأساليب المعروفة في حروب العصابات، أي المجموعات الصغيرة التي تشن هجومات مفاجئة على دوريات العدو وتحصيناته ، أو تعمل على زرع الألغام والكمائن على طرق مواصلاته.
لكن المقاومة نجحت إلى جانب هذه الأساليب، في تقديم تجربة متميزة ومختلفة على التجارب الأخرى في لبنان على المستويات الأمنية والإعلامية والسياسيةأبز ملامحها:
أ - تعدد التكتيكات والعمليات:
فلم تعتمد المقاومة الإسلامية تكتيكًا واحدًا في المواجهة، هو انتظار جنود الاحتلال على الطرقات أو في الأحراش، أو قصف مواقعه من القرى البعيدة. بل لجأت إلى المبادرة إلى شن عمليات واسعة، وأحيانًا متعددة، في الوقت نفسه على أكثر من موقع من مواقع الاحتلال، وتمكنت في حالات كثيرة من السيطرة على هذه المواقع لساعات طويلة، وتدميرها، وأَسْر من فيها في بعض الأحيان.
ب - تطوير قدرات استخبارية عالية:
نجحت المقاومة الإسلامية في تطوير قدرات استخبارية عالية مكنتها من رصد تحركات جنود الاحتلال وعملائه، وإيقاع خسائر مباشرة وكبيرة بهم عبر الكمائن أو التفجيرات، في داخل الشريط المحتل وخارجه وصولاً إلى الحدود الإسرائيلية نفسها، مما أدى في الأوساط الإسرائيلية العسكرية والأمنية إلى طرح الشكوك والتساؤلات وتشكيل لجان للتحقيق حول مدى اختراق "حزب الله" لهذه الأوساط أو للعملاء، خصوصًا بعد الفشل الذريع لمحاولة الإنزال الإسرائيلية الأخيرة في بلدة "أنصارية" المحاذية للشاطئ في جنوب لبنان (في 4/9/1997م)، والتي قضت المقاومة فيها على جميع جنود النخبة الذين شاركوا في هذه العملية، وبلغ عددهم حوالي خمسة عشر جنديًّا إسرائيليًّا، وقد احتفظت المقاومة بأشلاء العديد من هؤلاء الجنود الذين تم تبادلهم لاحقًا في 25/6/1998م مع رفات أربعين شهيدًا للمقاومة بينها ثلاثون شهيدًا للمقاومة الإسلامية، وهي المرة الأولى في تاريخ إسرائيل التي تواجه فيها مثل هذا النوع من الفشل في عمليات مماثلة.
ج - الحرب النفسية والإعلام الحربي:
اعتمدت المقاومة الأساليب النفسية والمعنوية الحديثة في عملية التأثير سواء على الرأي العام المدني والعسكري في صفوف العدو. فقد تمكنت المقاومة في إطار جهاز سري أطلق عليه "الإعلام الحربي" يخضع أفراده لدورات خاصة عسكرية وعقائدية وفنية من تصوير مباشر لمعظم عملياتها ضد جنود الاحتلال وعملائه، ونقلت صورًا حية لعمليات اقتحام المواقع وتثبيت راياتها فوق الدشم والتحصينات.
وعمدت المقاومة في الإطار نفسه، إلى نصب كمائن إعلامية للعدو، فوزعت على سبيل المثال في 27/2/1998 شريطًا مصورًا عن سير عملية اقتحام موقع "بئر كلاب"، إلا أن قائد وحدة الارتباط في جيش الاحتلال إيرز غورشتاين ادعى أن المقاومين لم يدخلوا الموقع، فعادت المقاومة ووزعت شريطًا جديدًا يتضمن تفاصيل اقتحام الموقع ودخول المقاومين إليه ورفع الرايات فوق دشمه. وقد تكررت الخدعة الإعلامية نفسها مع اقتحام موقع "الدبشة" في 12/5/1998م وموقع "حداثا" في 2/7/1998م، كما نظمت المقاومة وعلى مستوى آخر، وفي مناسبات مختلفة زيارات إعلاميين ورؤساء بلديات ومحافظين إلى مواقعها. واستخدمت المقاومة شبكة الإنترنت لتبث بواسطتها أخبار عملياتها ورسائلها المختلفة إلى أنحاء العالم كافة، وخصص تليفزيون المنار (أحد وسائل إعلام المقاومة إلى جانب إذاعة النور)، على الشبكة نفسها صفحة خاصة تهتم بأخبار المقاومة الإسلامية، وتتضمن نصوصًا حول المقاومة وعملياتها باللغتين العربية والإنجليزية. ومثل هذا الاستخدام للتقنيات الحديثة ولتصوير العمليات يحصل لأول مرة في تاريخ المقاومة ضد الاحتلال في لبنان.
يتبعـ
نسألكم الدعاء