الثورة الروسية 1917م
قراءة في الاسباب والنتائج
قراءة في الاسباب والنتائج
1. المبادئ الشيوعية :-
ألقت الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر بظلالها على التوزيع الطبقي في إنجلترا ، حيث ساهمت الآلة البخارية في تحول النشاطات اليدوية إلى نشاطات صناعية ، و قد ترتب على ذلك كساد بضاعة الحرفيين الصغار ، حيث أن الآلة قامت بإنتاج بضاعة أكثر جودةً و أرخص سعراً، مما جعلهم يتحولون إلى العمل في المصانع .
بطبيعة الحال كانت الآلات غالية الثمن ، و بالتالي كان مالكوها هم كبار الملاك و أصحاب الثروات ، في حين أن العمال في هذه المصانع اصبحوا يعتمدون على قوة عملهم ، فهم لا يمتلكون أي شيء يعتاشون منه لو خسروا عملهم في المصنع ، و هذا ما جعلهم معرضين للاضطهاد و للعمل في ظروف قاسية لتأمين لقمة العيش .
مع استمرار اضطهاد العمال المتزامن مع زيادة الثورة عند الملاك الرأسماليين بدون أي تأثير على وضع العمال ظهر تيار فلسفي يدعوا لإلغاء الملكية الفردية باعتبارها السبب في تسلط الرأسماليين على الفقراء و قد تزعم هذا التيار كل من الألماني كارل ماركس 1818ـ1883م و الإنجليزي فريدريك انجلس 1820ـ1895م .
تُعرف الشيوعية بأنها علم تحرير البرولتاريا . و البرولتاريا هي تلك الطبقة من العمال التي لا تملك أي مصدر لتأمين العيش سوى العمل ، و التي لا تعتاش من أي حرفة أو رأسمال . (1)
2. ظهور الأحزاب و الحركات الشيوعية في روسيا :-
في عام 1883م تأسست أول حركة ماركسية في روسيا و هي حركة تحرير العمل بقيادة غريغوري بليخانوف 1856ـ 1918م الذي ساهم في ترجمة العديد من مؤلفات ماركس ، و قام بتأليف بعض الكتب في عرض و شرح نظريات ماركس .(2)
في عام 1895م أسس لينين 1870 ـ 1924م عصبة النضال من أجل تحرير الطبقة العاملة في سان بطرسبرج(3) ، ثم اعتقل بعد ذلك مباشرة و نفي لسيبيريا . في منفاه أسس لينين صحيفة الأسكرا عام 1900م و هي أول صحيفة ماركسية توزع على نطاق واسع في روسيا ، و في العدد الرابع منها حدد لينين في مقاله ((أين نبدأ)) المهام الأساسية و الخطوط العامة لبناء حزب ماركسي ثوري .(4)
في عام 1898م أسس أول حزب ماركسي بقيادة لينين و بليخانوف وهو حزب العمال الاشتراكي الديموقراطي الروسي ، و في المؤتمر الثاني للحزب في 1903م انقسم الماركسيون إلى بلاشفة بقيادة لينين و مناشفة بقيادة بليخانوف و ذلك بسبب رؤيتهم لكيفية إقامة الشيوعية ، فهل يجب على الشعب ان يتطور و يسير طبيعياً إلى الشيوعية كما هو رأي المناشفة ؟ أم يجب أن يقوم الشعب بثورة اجتماعية برولتارية تطيح بأسس البرجوازية الرأسمالية لتقيم حكماً شيوعياً برولتارياً كما هو رأي البلاشفة ؟ و بذلك تحول الطرفان إلى حزبين متمايزين ، و قد تسمى الجناح البلشفي لاحقاً باسم الحزب الشيوعي .(5)
3. الأوضاع في روسيا القيصرية:-
يشكل أي نظام حكم ديكتاتوري مستبد بيئةً مناسبة لتكوين ثورة ضد واقع الديكتاتورية الفاسد ، إلا أن الوضع في روسيا القيصرية كان ملائماً جداً لقيام ثورةٍ ماركسية بالذات ، حيث أن الأفكار الماركسية لم تنتشر في روسيا إلا لأنها كانت مهيأةً لها عبر وجود كم هائل من البرولتاريا الذين تخاطبهم الماركسية حيث يشكل الفلاحون ما نسبته 78% من مجموع السكان ، أغلبهم عبيد يعملون في الإقطاعيات حيث أن روسيا كانت بعيدة عن ركب التطور في أوربا الغربية .(6)
حكم القياصرة من آل رومانوف روسيا بنظرية الحق الإلهي منذ عام 1613م ، و حتى عهد آخر قيصر منهم و هو نيقولا الثاني 1847ـ 1917م لم تتغير الأمور كثيراً ، فقد ظلت الحياة في روسيا شبيهةً بالحياة في العصور الوسطى ، فالسلطة المطلقة للقيصر و أسرته التي شكلت الطبقة الأرستقراطية ، بعد ذلك تأتي الطبقة البرجوازية بما تضمن من ملاك و إقطاعيين رأسماليين ، ثم البقية من الفقراء و الفلاحين العبيد ، و إن كان نظام الرق قد ألغي في عام 1863م في عهد القيصر ألكسندر الثاني ، إلا أن الأمور لم تتغير لأن الإقطاعيين احتفظوا بأملاكهم ، و بقي الفلاحون الأحرار بدون مصدر عيش سوى العمل في الإقطاعيات نفسها.(7)
& دخول الصناعة :-
في النصف الأخير من القرن التاسع عشر دخلت الصناعة المتطورة لروسيا ، إلا أنها كانت محدودة جداً و متركزة في بعض المدن الكبيرة مثل موسكو و سان بطرسبرج . كانت المصانع الحديثة تحت إدارةٍ إنجليزية . و قد نتج عن ذلك تنامي الرأسمالية الروسية ، و بالدرجة نفسها تنامت الطبقة العمالية التي كانت تعيش استغلالاً بشعاً اضطرها للعمل ليل نهار من تأمين اجل لقمة العيش .(8)
& عقم الإصلاحات :-
في ظل مثل هذه الحكم الفاسد كان لابد من تراكم الغضب الشعبي الذي تجسد في ثورات 1830،1863، 1905م . وقد ظهر تأثير شحنات الغضب في الأدب الروسي الذي بعث من جديد من صلب هذه المعاناة ، و يمكن لمن يقرأ كتابات ألكسندر بوشكين 1799ـ1837م و ميخائيل ليرمانتوف 1814ـ1841م أن يلاحظ تأثير الغضب و الكبت على الأدب الروسي أيام الحكم القيصري . و قد جرت عدة محاولات إصلاحية لتصحيح الأوضاع ، بدأ القيصر إسكندر الأول في 1803بفصل السلطات و إنشاء الدوما ، و التخفيف من الأعباء المفروضة على الفلاحين المستعبدين حيث تم إعتاق 50 ألف من الرقيق . ثم توقفت الحركة الإصلاحية لتتجدد مع القيصر إسكندر الثالث عام 1863م الذي أقام حكماً أكثر ديموقراطيةً ، و أطلق بعض الحريات ، إلا أنه لم يجرؤ على إحياء الدوما ، و ألغى الرق إلا أنه حفظ للإقطاعيين أملاكهم و أراضيهم . و لم تؤتي هذه الإصلاحات ثمارها فهي لا تعالج المشكلة الجذرية و هي الفارق الواسع بين الطبقات و الفقر المدقع و العبودية التي يعيشها الفلاحون ، إضافة إلى الفساد السياسي ، و الانقلاب المتكرر على التحول الليبرالي ، مولداً حالةً من اليأس من الإصلاح في ظل النظام القيصري ، مما مهد لظهور الحركات و المنظمات الثورية و ساهم في انتشار الأفكار الشيوعية بين الفلاحين و العمال الروس .(9)
& اضطهاد بقية الشعوب :-
من المعروف أن روسيا هي أكبر دولة في العالم و التي تمتد أراضيها من غربي أوربا إلى سواحل المحيط الهادي ، و انطوى هذا الاتساع على تشكيلة متنوعة من الشعوب ذات اللغات و الأديان و السمات الفسيولوجية المختلفة ، إلا أنهم كانوا يعيشون التمييز و الاضطهاد . و يمكن لنا أن نأخذ بولندا مثالاً ، و التي كانت خاضعة للحكم القيصري كولاية روسية رغم تفوقها الصناعي ، و قد عانى البولنديون من محاولات القهر و طمس الهوية المتمثلة في تحريم استخدام اللغة البولندية ، كما أن اليهود كانوا معرضين باستمرار للمذابح ، و مع هذا التمييز العنصري أصبحت الأقليات العرقية و الدينية في روسيا قابلةً للانفجار .(10)
عدل سابقا من قبل علي السلاطنة في الثلاثاء فبراير 17, 2009 8:56 pm عدل 2 مرات